قناة السويس محطات بتاريخ مصر (3-7)
■■ محطة السادات
** إغلاق القناة
أغلقت قناة السويس أمام الملاحة خمس مرات ، كان أولها إبان الاحتلال الإنجليزي لمصر عام 1882 ، لأقل من أسبوع في أعقاب الثورة العرابية . وأغلقت للمرة الثانية ، ليوم واحد عام 1915 ، خلال الحرب العالمية الأولى ، وللمرة الثالثة ، لمدة 76 يوم خلال الحرب العالمية الثانية . وأغلقت للمرة الرابعة خمسة أشهر ، عقب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ، وأعيد فتحها في عام 1957 . وكان الإغلاق الخامس والأخير بعد حرب يونيو 1967 مع إسرائيل ، واستمر لمدة 8 سنوات حتى عام 1975 ، عندما وقعت مصر وإسرائيل ، اتفاق فض الاشتباك الثاني .
** تطهير المجرى الملاحي
توقفت الحياة تماما بالمجرى الملاحي ومرافق قناة السويس ، لثماني سنوات كاملة ، وذلك إبان حرب 1967 كما سلفت افشارة ، من 5 يونيو 1967 وحتى 22 أكتوبر 1973 ، وتحول المجري الملاحي للقناة ومنشآت الإدارة في الإسماعيلية والإدارات المساعدة في السويس وبورسعيد ، إلى سلسلة من الخرائب والأطلال التي لا تصلح لشيء ، وأصبح مجرى القناة بحيرة كبيرة من الألغام والقنابل من كل الأنواع والأحجام . أما ضفتا القناة ، فكانت تحوي علي الأقل مليون لغم ، مما جعل تطهير القناة وإصلاح منشآتها وبناء وحداتها من جديد وإعادة حركة الملاحة ، تحدي ضخم أمام مصر والإدارة المصرية للقناة .
بدأت أعمال التطهير بعد عشرة أيام فقط من توقف القتال ، حيث جرت أول عملية استطلاع لمعرفة حقيقة ما حدث للقناة وتحديد حجم الخسائر والبحث عن نقطة بداية العمل .
العوائق
تمثلت العوائق بداية في 10 عوائق كبيرة غارقة بين الكيلو 9 من القطاع الشمالي ، بالقرب من بورسعيد والكيلو 158 أقصى القطاع الجنوبي عند السويس ، وهي السفينة الإسماعيلية ، والسفينتان مكة 2.1 والكرامة 23 ، والقاطرة منجد ، والكراكة ناصر ، والقيسون الخرساني ، والكراكة 15 سبتمبر ، والقاطرة بارع ، والناقلة مجد ، والكراكة 22 ، و120 قطعة أخري من العوائق المتوسطة ، وهي عبارة عن صالات ولنشات ومعديات وقطع سيارات عسكرية ، بالإضافة إلى 500 عائق صغير ، من بقايا الطائرات وانفجارات القنابل وأجسام حديدية وأحجار وكتل خرسانية وغيرها .
سد الدفرسوار
تمثلت أكبر العوائق بالقناة وأخطرها ، في سد الدفرسوار الخرساني ، الذي أقامته إسرائيل ، وسدت به المجري الملاحي في مدخل البحيرات المرة ، حتي يكون الوسيلة الفعالة لتأمين انسحاب قواتها من الغرب إلى الشرق ، وتكون من 8 آلاف متر من الأتربة والأحجار ، فوق منسوب المياه و12 ألف كتلة خرسانية زنة الواحدة 4 أطنان و3504 كتل حجر طبيعي ، تصل زنة الواحدة منها ، أكثر من 5 أطنان و19 ألف متر من الصالات الحديدية المحملة بالأحجار ، ثم كانت هناك تلال الرمال ، التي أقامتها القوات الإسرائيلية علي الضفة الشرقية ، بطول القناة علي ارتفاع ما بين 18 إلى 20 مترا ، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من القنابل والألغام والخسائر في منشآت المرفق الملاحي والمعدات البحرية .
التطهير
كانت البداية في ديسمبر 1973 حينما بدأت الأيدي المصرية ، في انتشال العوائق والمعدات الغارقة ، بعد صدور الأمر بعودة أجهزة هيئة القناة ، من مواقع التهجير في القاهرة والإسكندرية ، وأسندت هذه العملية للسواعد المصرية ، بعد أن طلبت الشركات الأجنبية 50 ألف دولار ، عن كل يوم عمل ، وتقدم فريق الإنقاذ البحري ، ليطلب القيام بكل مسئوليات رفع وانتشال العوائق المتوسطة والصغيرة ، بل والاشتراك بصورة فعالة ، مع الشركة الأمريكية التي ، ستتولي رفع العوائق الـ 10 الغارقة في القناة . وبعد دراسات طويلة ، استقر الرأي علي ، إسناد العملية للفريق الوطني ، الذي لم يكن يزيد على 25 رجل ، وكان أول تكليف لهذا الفريق هو ، انتشال 3 سفن وناقلات من مدخل القناة الجنوبي ، لإعداده لدخول سفن التطهير ، وجاءت النتائج سريعة ، حيث تم انتشال ناقلة المياه الكونجو ، وسفينة الإنفاد الجمل ، وقاطرة أخرى كبيرة ، في وقت قياسي ، أقل من الزمن المتفق عليه ، وبتكاليف أقل بحوالي مليون و200 ألف جنيه ، عما كانت تطلبه الشركات الأجنبية ، وبمعدات أقل .
وتوالت إنجازات الفريق ، حتي بلغت جملة ما قام به هذا العدد البسيط من البشر بانتشاله وحده ، 35 ألف طن من القطع الغارقة ، تشمل 120 عائق متوسط ، وما بين 560 إلى 600 عائق صغير و99 عائق من غاطس السويس وحده .
وفي فبراير 1974 ، بدأت مشاركة القوات البحرية ، في عمليات تطهير القناة من الألغام ، حيث تم تشكيل فريق عمل من 100 رجل من ذوي الكفاءة العالية ، قاموا بتنفيذ 95% من عمليات التفجير تحت الماء ، أو علي الشاطئ ، وانتشلوا 420 من الحطام والبقايا ، التي دارت عبر وفوق القناة ، وأمضوا 180 ألف ساعة تحت قاع القناة ، ونفذوا واحدة من أكبر وأسرع عمليات التطهير في العالم ، فيما تولى رجال سلاح المهندسين في القوات المسلحة ، إزالة 680 ألف من كل الأنواع ، خلال أوسع عملية تطهير لضفتي القناة .
أما إزالة الدفرسوار ، فكان يمثل العائق رقم 1 ، وكان وراءه إرادة وتصميم 200 من المهندسين والعمال المصريين المتخصصين ، واستطاع الرجال بقيادة الخبير بالقناة المهندس شلبي جابر بركات ، باستخدام ما تيسر حشده من معدات في تلك الظروف العصيبة ، وخلال ما لا يزيد على 6 أشهر ، حولوا هذا السد المنيع ، إلى تلال من الخرسانة والخردة ، علي الشاطئ الغربي للقناة ، بتكاليف ، لم تزد وقتها على 238 ألف جنيه ، وبيعت الخردة الناتجة بحوالي 100 ألف جنيه ، أي أن التكاليف الفعلية لم تزد على 138 ألف جنيه ، وحقق الرجال بذلك ، وفر 4 ملايين جنيه ، كانت ستتقاضاها الشركات الأجنبية ، لو نفذت المشروع .
فيما قامت كل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا ، عن طريق قوتهم العلمية وخبرتهم العملية ، في مجال الكشف عن الألغام والقنابل والبحث عنها وتفجيرها ، بتقديم المعدات الإلكترونية المتقدمة لمصر ، للعمل في هذه المجالات ، واستطاعت مع القوات البحرية المصرية وسلاح المهندسين المصري ، ومن خلال 3 عمليات خطيرة ، هي قمر السحاب ، وقمر الأرض ، ونجم قمر الأرض ، وخلال شهور قليلة ، أن تعلن للعالم ، أن قناة السويس ، هي أنظف مجرى ملاحي في العالم . وعادت حركة الملاحة للقناة ، بعد أن وصل حجم خسائر العالم خلال مرحلة توقف الملاحة في القناة وخلال ثماني سنوات ، ما يعادل 1700 مليون دولار سنويا ، تحملتها الدول التي تعتمد علي قناة السويس .
وفي 5 يونيو 1975 ، قام الرئيس محمد أنور السادات ، بافتتاح القناة للعمل ، وأراد بهذا التاريخ ، أن يستبدل ذكرى نكسة 1967 ، بذكرى يوم سعيد في حياة المصريين ، بإعادة الملاحة للقناة في هذا اليوم ، وبالطبع لايمكن لهذا اليوم الكابوس أن يمحى ويطمس على هذا النحو ، حيث لازلنا نعانى من تداعياته السلبية والمنطقة الى الآن ، ولايعلم إلا الله متى تنتهى .
الرب يحفظ مصرنا الغالية وشعبها ، من كل شر وشبه شر .