** بلجيكا بين مطرقة الثغرات الأمنية و سندان الفكر الداعشى
رغم حالة الصدمة والذهول التى تسيطر على المشهد البلجيكى العام ، جراء الهجمات الدموية التى ضربت العاصمة ، فإن المتابع عن كثب لتعاطى السلطات فى بروكسل مع ملف التهديدات الإرهابية ، يدرك أن ما حدث ، لا يشكل أى مفاجأة بالنظر إلى كم الثغرات والاختراقات الأمنية غير المسبوقة !
* فى بلجيكا وحدها تجد مواطنا يحاكم بتهمة تأسيس خلية إرهابية ، ومع ذلك يسمح له عقب كل جلسة بالمحكمة ، بالعودة إلى بيته ، وإلقاء الدروس بانتظام فى المسجد ، على مراهقين ، يؤمنون بكل كلمة يقولها .
* منذ اندلاع الحرب السورية وتصاعد ظاهرة تجنيد مقاتلين من الغرب للانضمام إلى تنظيم " داعش " ، تحول الجيل الجديد من البلجيكيين المنحدرين من أصول عربية - مغاربة وجزائريين وفلسطينيين بشكل أساسى - إلى هدف لخلايا متطرفة ، تستغل ضعف الرقابة على المساجد وحرية التجمعات وسهولة نشر الأفكار المتشددة .
تكشف الأرقام الرسمية حقائق مثيرة للدهشة ، فقد فتحت النيابة العامة الفيدرالية 313 قضية متعلقة بالإرهاب العام الماضى ، مقابل 195 قضية فى العام السابق له ، وتبلغ نسبة الزيادة المئوية فى هذه النوعية ، مقارنة بقضايا الأعوام الثلاثة الأخيرة 600٪!
وتشكو النيابة ، من عدم وجود أى زيادة فى أعداد القضاة والموظفين الإداريين المكلفين بمتابعة تلك القضايا ! والمدهش أنه رغم إدراك السلطات المختصة ، بأن عددا ليس بالقليل من المساجد ، تحول إلى مفرخة للفكر المتشدد وورشة عمل لتجهيز الإرهابيين ، فإنها تحاكم بعض الأئمة ، بتهم الترويج للإرهاب ، وبعد انتهاء جلسة المحكمة ، يعود الإمام حرا طليقا إلى مسجده ، ويمارس إلقاء دروسه الأسبوعية ، لأعداد كبيرة من المنحدرين من أصول عربية ! .
* لم يكن غريبا أن يطالب النائب العام البلجيكى "فان ليوو" ، بالاستفادة من تجربة هؤلاء الذين تركوا الفكر العنيف ، الى غير رجعة من خلال ، توظيف ما لديهم من معلومات ، قد تكون ثمينة لأجهزة الأمن ، فالبلاد لا تمتلك برنامجا خاصا يتيح تنظيم آلية ما ، لتحويل الإرهابى الذى ندم وتاب ، إلى "مخبر" ، يتعاون مع السلطات المختصة ، على غرار ما يحدث بدول أخرى عديدة منها ، الولايات المتحدة وايطاليا . ولكن للأسف بلجيكا ، ليس لديها برنامج جديد ، يمد الإرهابى التائب بهوية وحياة جديدتين ، إذا ما تعاون مع السلطات .
* لقد تحولت بلجيكا إلى البطن الرخوة التى تستغلها التنظيمات الإرهابية ، ليس فقط لضرب البلاد ، بل أيضا لضرب أوروبا لاسيما البلاد المتاخمة حدوديا مثل هولندا وألمانيا وفرنسا .
وفى هذا السياق ، لا تزال الأخبار السيئة تتوالى! وعلى سبيل المثال ، كشفت التحقيقات التى لاتزال تجريها السلطات حول هجمات باريس الإرهابية التى وقعت نوفمبر الماضى انطلاقا من الأراضى البلجيكية ، عن وجود مؤشرات وقرائن قوية على أن منفذى الهجمات ، خططوا كذلك لاستهداف عدد من المحطات النووية فى بلجيكا .
فيما عثر المحققون على شريط فيديو ، قام بتصويره أشخاص يرجح أنهم على صلة مباشرة بانتحاريى باريس ، يظهر عمليات رصد ومتابعة دقيقة لخط سير ، مدير عام برامج التنمية والأبحاث النووية على مستوى بلجيكا شخصيا . وقد تبين أن الكاميرا التى تم التصوير بها ، تم زرعها فى أماكن إستراتيجية ، بالقرب من مقر عمله ومسكنه بإقليم فلاندرز ، شمالى البلاد ، على الجانب الآخر .
* فضيحة سياسية ظهرت ، حين تبين أن سلطات البلاد ، لا تزال تمنح إعانة البطالة الاجتماعية والعائلية ، لمن يرزق بمولود جديد ، عبر مبالغ شهرية مجزية ، لمائة وعشرين من مقاتلى تنظيم داعش الإرهابى ، ممن تركوا البلاد قبل سنوات وسافروا إلى سوريا والعراق ، لينخرطوا فى صفوف التنظيم .
وبحسب بيانات رسمية لوزارة الداخلية الفيدرالية ، فإن ثلاثة إرهابيين فقط ، تم إلغاء قيدهم ضمن برامج إعانة البطالة فى الأشهر الثلاثة الماضية ، فى مقابل خمسة وثمانين ، تم إلغاء قيدهم قبل هذا التاريخ بنحو عام ، ولا يزال يتبقى أكثر من 120 آخرين قيد التسجيل حتى الآن .
تواجه جهود تنقية جداول مستحقى الإعانة من الإرهابيين مشكلة ، سرية البيانات الشخصية لهؤلاء المستحقين ، حفاظا على خصوصيتهم بحكم القانون !!! (محمد بركة – الاهرام 24/3/2016)
** من المفارقات الصاعقة ، أن منفذو هجمات بروكسل «صناعة محلية» ، ولهم سجل جنائى .
بعد ساعات من الهجمات الدامية التى ضربت قلب العاصمة البلجكية بروكسل ، كشفت السلطات البلجيكية هوية ثلاثة من المشتبه فى تورطهم فى تفجيرات "الثلاثاء الأسود" (22/3/2016) ، التى أسفرت عن مقتل ٣٥ شخصا وإصابة ٢٥٠ آخرين ، وهما الشقيقان خالد وإبراهم البكراوى ، اللذين قتلا فى الهجمات الانتحارية فى مطار "زافينتم" الدولى ، ومترو أنفاق "مالبيك" ، فيما ترددت أنباء غير مؤكدة عن ، اعتقال الشرطة للمتهم الثالث نجم العشراوي ، والثلاثة يحملون الجنسية البلجيكية .
والثابت أن الشرطة كانت تلاحق الشقيقين بسبب علاقتهما بصلاح عبد السلام المشتبه به الرئيسى على قيد الحياة من المجموعة المنفذة لاعتداءات نوفمبر الماضي ، فى باريس والذى اعتقلته السلطات البلجيكية يوم الجمعة الماضى ، بعد ملاحقة استمرت أربعة أشهر .
هذا وقد نقلت هيئة الإذاعة والتليفزيون البلجيكية الفرانكوفونية عن مصادر أمنية قولها ، إن الأخوين معروفان لدى الأمن ، لتورطهما فى أنشطة الجريمة المنظمة وليس أنشطة إرهابية ، فيما أكدت شبكة "إر تى بى إف" البلجكية الرسمية الناطقة بالفرنسية أن الرجلين اللذين كانا يرتديان سترتين داكنتى اللون ويسيران جنبا إلى جنب فى المطار ، هما فى الواقع الشقيقان خالد وإبراهيم البكراوي ، وهما يحملان الجنسية البلجيكية ، وأنه تم تحديد هوية الانتحاريين ، بعد عثور الشرطة على جهاز كمبيوتر ي، تضمن "محادثات بين المنفذين المحتملين" للهجمات الإرهابية .
كما ذكرت وكالة الأنباء البلجيكية "بيلجا" أنه كان حكم على خالد - ٢٧ عاما - بالسجن خمس سنوات عام ٢٠١١ ، لإدانته بسرقة سيارات ، وذلك بعد القبض عليه وبحوزته أسلحة كلاشينكوف .
أما الشقيق الأكبر إبراهيم - ٣٠ عاما - فكان قد حكم عليه عام ٢٠١٠ بالسجن تسع سنوات ، لإطلاقه النار من كلاشينكوف على أفراد من الشرطة خلال ملاحقة .
وتابعت أن خالد قام على ما يبدو ، باستئجار شقة فى "شارلروا" فى جنوب بلجيكا ، بهوية مزيفة انطلق منها منفذو اعتداءات باريس فى ١٣ نوفمبر الماضي .
وأضافت أن خالد استأجر أيضا بهوية مزيفة شقة فى حى فورست فى بروكسل ، حيث وقع تبادل لإطلاق النار خلال عملية مداهمة الأسبوع الماضى ، مما سرع فى القبض على المشتبه به الرئيسى فى اعتداءات باريس .
من جهتها، كشفت شبكة "فى إر تي" الرسمية الناطقة بالهولندية أن الشقيقين ، تحركا فى مكانين مختلفين ، فأحدهما نفذ الاعتداء فى المطار ، بينما فجر الثانى نفسه فى محطة مالبيك . (بروكسل - وكالات الأنباء 24/3/2016)
** لماذا يرفض المسلمون الاندماج؟
... ماذا قدمت العلمانية والحداثة لأكبر أقلية ببلجيكا ، لأكثر من 600 ألف مسلم ، يتكاثرون ويتناسلون ، لدرجة أن ربع سكان بروكسل مسلمون . بلجيكا أدخلت مادة التربية الإسلامية ضمن البرامج الدراسية ، بلجيكا تصرف مرتبات الأئمة وتتحمل نفقات المساجد ، وفى عام 2006 منحت الحكومة البلجيكية 6 ملايين يورو ، دعماً للجماعات الإسلامية هناك .
فى عام 2009 كان اسم محمد هو أكثر الأسماء شعبية فى مواليد بروكسل ، هناك 380 مسجداً فى بلجيكا ، سمحت بلجيكا بالحجاب ، وفى يونيو 2005 حكمت محكمة الاستئناف فى أنتويرب ، أنه خارج اختصاصاتها ، ما إذا كان الإسلام يجبر النساء على ارتداء الحجاب ، وأن الفتيات فى المدارس العامة ، لهن الحق فى القيام بذلك ، كل هذا فعلته بلجيكا ، ليس من باب المن على المسلمين ، ولكن من باب تطبيق قيم العلمانية ، التى لا ترد بالمثل على الوهابيين ، الذين يمنعون بناء كنيسة فى السعودية ، فتمنع نكاية فيهم ، بناء المساجد .
ماذا كان رد معتنقى الفكر السلفى من البلجيكيين على كل هذا الدلع البلجيكى لحضراتهم ؟ هل هاجروا إلى أفغانستان أو الصومال ، حيث تطبيق الشرع ، اعتراضاً على العلمانية ؟ لا ، ظلوا هناك ، ليفجروا ويفخخوا ويبثوا الكراهية ، وهذه هى قائمة الكراهية والشر :
* فى 30 سبتمبر 2003 أدانت محكمة بلجيكية 18 شخصاً ، لتورطهم فى خلية إرهابية . وحكم على نزار الطرابلسى بالسجن لمدة 10 سنوات ، بتهمة التخطيط لهجوم انتحارى ضد قاعدة جوية فى حلف شمال الأطلسى هناك ، وحكم على طارق معروفى ، المنتمى إلى مجموعة المكافحة التونسية بالسجن لمدة ست سنوات ، لدوره فى استصدار جوازات سفر مزورة فى مقره ببروكسل .
* فى 11 مارس 2004 ، حيث تفجيرات قطارات مدريد ، ألقت الشرطة البلجيكية القبض على أربعة أعضاء من جماعة المقاتلين الإسلاميين المغاربة .
* فى 8 يونيو 2004 ألقى القبض على 15 شخصاً متصلاً مع ربيع عثمان السيد أحمد ، وهو المشتبه به الرئيسى فى تفجيرات مدريد فى أنتويرب وبروكسل .
* فى أكتوبر 2004 حكمت محكمة بلجيكية على ثمانية متشددين إسلاميين بالسجن لمدد تصل إلى 5 سنوات ، بتهمة التخطيط لهجمات وصلات مع تنظيم القاعدة .
* فى 9 نوفمبر 2005 قامت موريل ديجوك ، وهى بلجيكية اعتنقت الإسلام ، بارتكاب هجوم انتحارى بسيارة مفخخة ضد قافلة أمريكية عسكرية جنوب بغداد .. إلخ
الغريب والمدهش أنهم لم يشاركوا فى قوافل طبية ، لإنقاذ جيرانهم البلجيكيين من خطر الأمراض ، لم يشارك مجاهد منهم فى مظاهرات ، للحفاظ على البيئة والخضرة والحياة ، كنوع من رد الجميل للبلد الذى منحه الحرية والمساواة والكرامة الإنسانية ، التى افتقدها جدوده .
لم يعرفوا ويتقنوا إلا ، لغة الدم والقتل والكراهية والغل والحقد ، ويظل السؤال مستفزاً مخجلاً محيراً صادماً ، لماذا يرفض المسلمون الاندماج ؟ ! (خالد منتصر – الوطن 23/3/2016)
الرب يحفظ مصرنا الغالية من كل شر وشبه شر .