يخطىء من يتصور ، أن التدخل الروسى فى سوريا ، وقد جاء بناء على طلب القيادة السورية ، أنه قد جرى ، من أجل سواد عيون بشار الأسد ونظامه ، وإنما الأمر برمته ، تحكمه المصالح .
وكما جاء التدخل الروسى مفاجئاً ، جاء الإنسحاب أيضاً مفاجئاً ، لكن بالتشاور مع الجانب السورى . وهناك من حصر فوائد هذا الإنسحاب ، فى عشر فوائد :
** للانسحاب الروسى من سوريا ، عشر فوائد
مخطيء من يظن أن روسيا اتخذت قرارها المفاجيء بسحب قواتها من سوريا ، لأنها «خسرت الحرب» ، إذ أن الواقع هو العكس تماما ، وهو ما يشهد به خصوم بوتين أنفسهم الآن!
ضرب الرئيس الروسى «الداهية» فلاديمير بوتين عدة عصافير بحجر «الانسحاب» ، وذلك على النحو التالى :
أولا : أثبت بوتين قدراته كسياسى محنك ، بخلاف قادة دول كبرى أخرى ، فكان قراره بخوض الحرب مفاجئا وأحاديا ، ودون استشارة أى من الأطراف الخارجية ، باستثناء تنسيقه مع حكومة دمشق ، ثم جاء قراره بالانسحاب أيضا ، مفاجئا وأحاديا ، ولم يستشر فيه أحد ، إلا دمشق .
ثانيا : جاء قرار بوتين بالانسحاب فى توقيت مناسب تماما ، حيث فوت على الإعلام الغربى ، فرصة توجيه حملة دعائية ضده ، بوصم وجوده العسكرى فى سوريا ، بأنه «مستنقع» ، أو «أفغانستان الروسية» ، وخرج بأقل الخسائر البشرية والمادية ، والمقاتلة السوخوى التى أسقطتها تركيا ، كما جاء الانسحاب أيضا قبل زيادة التكلفة ، خاصة وأن روسيا ، تكبدت 800 مليون دولار فى خمسة أشهر فقط .
ثالثا : احتفظ بوتين رغم قرار الانسحاب ، بحقه وفرصته فى العودة من جديد ، وهو ما أكدت عليه بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري ، وكذلك حقيقة احتفاظ روسيا ، بجزء غير قليل من عتادها العسكرى على الأرض السورية ، فضلا عن قاعدتيها العسكريتين الرئيسيتين فى اللاذقية وطرطوس .
رابعا : نجحت روسيا فى تحقيق انتصار عسكرى لا جدال فيه ، بعد أن تسبب تدخلها ، فى تغيير جذرى فى موازين القوى على الأرض السورية ، بدليل هروب معظم قيادات وعناصر تنظيم داعش الإرهابى ، إلى خارج سوريا ، وتحديدا إلى العراق وليبيا ، والقضاء على نقاطهم الاستراتيجية الرئيسية ، وكذلك قطع خطوط إمداداتهم بالمال والسلاح والمقاتلين ، من الدول المجاورة ، وبخاصة تركيا ، فضلا عن فضح عمليات بيع البترول المهرب إلى الخارج ، لدعم اقتصاديات «الدولة الإسلامية» .
خامسا : ثبتت روسيا أقدامها كلاعب فى «التشكيل الأساسي» لمنتخب الكبار ، بعد ثلاثة عقود من التراجع ، الذى أعقب انهيار الاتحاد السوفيتى السابق ، وكانت مسألة عودة روسيا إلى دائرة صنع القرار العالمى ، أمرا حاسما وهدفا استراتيجيا بالنسبة لموسكو منذ سنوات طويلة ، وباتت دولة ، لا يمكن الاستغناء عنها ، ولذلك كان وصف ألكسندر باونوف كبير الباحثين فى مركز كارنيجى بموسكو دقيقا عندما قال ، إن روسيا «استعادت عضويتها فى مجلس إدارة العالم» ، وأيضا بدليل ما ذكره وزير الخارجية البريطانى فيليب هاموند لـ «بى بى سي» من أن «شخصا واحدا فقط ، يستطيع أن ينهى الحرب السورية» ، فى إشارة إلى بوتين !
سادسا : نجح بوتين فى «تعرية» جميع أطراف الأزمة السورية والمتسببين فيها : من يروج لشعارات الثورة والتغيير ، ومن يمول ، ومن يسلح ، ومن يدعم ، ومن يكذب ، ومن يؤجج ، ومن يراوغ ، وأصبح المجتمع الدولى بأكمله ، يعرف تمام المعرفة ، دور كل دولة وكل منظمة أو تكتل فى الصراع السوري .
سابعا : نجحت روسيا فى ترسيخ أقدام نظام الرئيس السورى بشار الأسد وجيشه ومؤسساته ، التى كانت على وشك الانهيار فى فترة ما ، وذلك بفعل الإصرار الروسى ، على تأكيد مبدأ شرعية الأسد ، ورفض تقسيم سوريا ، والأهم من ذلك مبدأ التفرقة بين فصائل المعارضة السورية وإبعاد المتهمين بالإرهاب وحمل السلاح ، ضد الدولة من أى عملية سياسية ، بما فى ذلك مفاوضات جنيف .
ثامنا : بعث الانسحاب الروسى أيضا ، برسالة إلى الرئيس السورى بشار الأسد ، مفادها أن روسيا ، مستمرة فى دعم سوريا ، ولكن لا يجب الاعتماد علينا للأبد» ، وهى رسالة مهمة ، قبل الحديث عن مرحلة انتقالية ، تتفق كثير من الأطراف فيها ، حول ضرورة ، عدم وجود الأسد ، فى أى عملية سياسية مستقبلية فى سوريا .
تاسعا : نجح بوتين فى زيادة شعبيته فى روسيا ، إلى أعلى معدلاتها ، أكثر من أى وقت مضى ، بعد نجاحه ، فى إدارة الأزمة سياسيا وعسكريا ، بجانب أوضاع اقتصادية صعبة ، ناجمة عن العقوبات ، المفروضة على بلاده ، منذ أزمة أوكرانيا .
عاشرا : قدم الانسحاب الروسى ، أقوى دفعة لمفاوضات جنيف ، بين الحكومة السورية والمعارضة ، وأصبحت مواقف الأطراف المختلفة ، مكشوفة تماما ، شأنها شأن باقى الأطراف الدولية والإقليمية ، إذ ستتوقف نغمة إلقاء اللوم على الوجود العسكرى الروسى ، فى إفشال جهود التسوية ، أو الوصول إلى صيغ سياسية جديدة ، قد لا تجد موسكو مبررا ، لدس أنفها فى تفاصيلها ! (هانى عسل – الاهرام 17/3/2016)
ولعلى أضيف لذلك فوائد أخرى غاية فى الأهمية ، أنه فضلاً عن أن التدخل الروسى ، قد قطع خط الرجعة ، على قوى إقليمية ، رغبت التدخل فى سوريا ، بمثال تركيا ، فقد حقق هدفان ، غاية فى الأهمية للدب الروسى ، أولاها إفشال مخطط ، إستبدال إمداد أوروبا بالغاز الروسى ، بالغاز القطرى ، من خلال الموانى السورية ، وخروج الروس من قاعدتيها بكل من ، اللازقية وطرطوس .
أما الثانى ، ففى تصفية العناصر الارهابية الشيشانية ، وبالأخص تلك القيادات التى هربت منها ، الى الأراضى السورية وإعلانها العداء العلنى لروسيا ، فضلاً عن تلك العناصر التى إنضم بعض منها للتنظيم الإرهابى "داعش" ، وأخرى للمعارضة التى تسمى بالمعتدلة ، ولاترغب الدولة الروسية ، فى عودة أياً منهم ، للأراضى الروسية
هذا وعن حصيلة ونتائج التدخل الروسى ، فقد أكد وزير الدفاع الروسى سيرجى شويجو ، إن سلاح الجو الروسى ، قد نفذ منذ 30 سبتمبر 2015 ، أكثر من 9 آلاف طلعة جوية ، تمكنت القوات الروسية خلالها ، من القضاء على أكثر من 2000 إرهابى فى سوريا ، من بينهم 17 قائدا للمجموعات الإرهابية ، كانوا قد تسللوا إلى سوريا من روسيا ، وأن القوات السورية المدعومة بسلاح الجو الروسى ، قد حررت 400 مدينة وقرية سورية ، فضلاً عن استعادة السيطرة ، على أكثر من 10 آلاف كيلومتر مربع من أراضى البلاد ، تمثل فى مجموعها ، نحو 30% من الأراضى ، التى كان يسيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي ، ناهيك عن إضعاف التنظيم الإرهابى ذاته ، وهروب معظم قادته ، إما الى العراق ، أو ليبيا .
هذا وبفضل القوات الروسية ، فقد توقفت تجارة الإرهابيين ، من بيع النفط السورى ، والقضاء على تلك التجارة بشكل كامل فى بعض المناطق ، ذلك أن الطيران الروسى ، قد دمر 209 منشأة خاصة بإنتاج النفط ، تابعة لهؤلاء الارهابيين ، فضلا عن تدمير أكثر من 2000 شاحنة لنقل المنتجات النفطية .
بالطبع لن يسحب بوتين ، كل قواته الموجودة فى سوريا ، وإنما سوف يبقى على بعض منها ، لضمان سير الأمور فى الاتجاه الذى يخدم مصالح الدب الروسى ،
على جانب آخر ، فان روسيا لن تغامر ، بتصعيد التوتر مع القوى الدولية المناوئة للنظام السورى ، من أجل سواد بشار الأسد ، كما سلفت الإشارة ، والإبقاء عليه رئيساً ، حيث ترك الشعب السورى ، ليقرر شأنه ومصالحه .
ولعل من النتائج الإيجابية للإنسحاب ، وقد لاقت قبولاً ورضا ، من الكثير من القوى العالمية ، ماخرج به مسئول أوربى من تصريح ، حول احتمالات رفع العقوبات المفروضة على روسيا ، بعد قرار سحب قواتها من سوريا ، ماله من دلاله ، على وجود صفقة ما ، روسية غربية ، قد تشمل أوكرانيا أيضا ، قبالة الانسحاب الجزئى من سوريا .
هذا ومن ذكاء بوتين ، أنه لم يغب عنه ، أن يشير لكل من يهمه الأمر ، بحسب ماورد بالأهرام فى 18/3/2016 :
** بوتين : قادرون على العودة إلى سوريا «خلال ساعات» إذا لزم الأمر .
حذر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أمس ، من أن الجيش الروسى ، يمكنه فى حالة الضرورة ، أن يعيد نشر طائرات «خلال ساعات» فى سوريا ، وذلك عقب ساعات قليلة من تصريحات لسلاح الجو الروسى تؤكد ، أنه سيتم سحب الجزء الأكبر من القوات الروسية منها ، خلال يومين أو ثلاثة أيام .
قال بوتين خلال مراسم تقليد عسكريين عائدين من سوريا أوسمة : «فى حالة الضرورة ، يمكن لروسيا ، أن تعزز وجودها فى المنطقة إلى مستوى ، يتلاءم مع تطورات الوضع هناك» .
وأضاف أن روسيا ستترك نظام صواريخ إس 400 الدفاعى الجوى فى سوريا ، وستستمر فى مراقبة وقف إطلاق النار هناك .
وذكر أن روسيا هيأت الظروف المواتية لعملية السلام فى سوريا ، لكن المعركة ضد الإرهاب فى سوريا ، ستستمر ، مشيرا إلى أن قرار الانسحاب الجزئى من سوريا ، تم الاتفاق عليه مع الأسد .
فيما أكد الجنرال فيكتور بونداريف قائد القوات الجوية الروسية أمس لصحيفة كوسمولسكايا برافدا اليومية الشعبية ، «أعتقد أن كل شيء ، سينتهى بسرعة كبيرة ، خلال يومين أو ثلاثة أيام ، سنكون قد نفذنا المهمة التى حددها» الرئيس فلاديمير بوتين ، ووزير الدفاع سيرجى شويجو .
حفظ الرب سوريا وشعبها من كل شر وشبه شر